الف. تعيين الرواة المشتركة
وممّا عمله المحدّث الحرّ حول الأسانيد تعيين الراوة المشترکة، والتعيين إمّا بالراوي والمروي عنه ـ كما هو الغالب ـ أو بملاحظة متن الرواية أو المقارنة بين الأسانيد المختلفة.
فمثلاً جاء في الكافي هكذا: محمّد بن يحيى قال: کتب محمّد بن الحسن الی أبي محمّد (علیه السلام) 1
الكافي: 3/151ـ150، ح3، باب حدّ الماء الذي يغسل به الميّت والكافور.
، إلا أنّ الحرّ أورده: محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن ـ يعني الصفّار ـ أنّه کتب اليّ أبي محمّد (علیه السلام) الخ2
وسائل الشيعة، أبواب الوضوء، ب56، ح1.
. فهو عيّن محمّد بن الحسن بأنّه الصفّار.
والشيخ الحرّ يميّز هذا بقوله: «يعني فلان» في ضمن الأسانيد.

ب. الابتداء باسم مؤلّف الكتب حين نقل الروايات
إنّ الحرّ حين ينقل الروايات من المصادر يذكر أوّلاً مؤلّفيها ثمّ يذكر اسم الكتاب ثمّ ينقل الخبر بإسناده ومتنه. وهذا في غير الكتب الأربعة وأمّا فيها فلم يذكر إلا اسم مؤلّفيها.
قال الحرّ في خاتمة الوسائل: صرّحت باسم الكتاب الذي نقلت الحديث منه، وابتدأت باسم مؤلّفه، وعطفت ما بعده عليه، إلا الكتب الأربعة؛ فإنّي ابتدأت في أحاديثها بأسماء مؤلّفيها، ولم أصرّح بأسمائها.
ثمّ إنّ هنا نكتة لا بدّ من التنبيه عليها. وهي أنّ الحرّ حين قال: «محمّد بن الحسن بإسناده» إلخ فالمراد منه أنّ الشيخ الطوسي يذكر هذا الرواية في التهذيب أو الاستبصار وهذا بظاهره ليس بمعضل، لأنّ الاستبصار في الحقيقة جزء من التهذيب، والروايات المذكورة فيه مذكورة ـ بعينها ـ في التهذيب. إلا أنّ الروايات المذكورة في الاستبصار قد يغاير ما في التهذيب سنداً.
فمثلاً الحرّ نقل عن محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، قال: حدّثني عدّة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبيّ، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها.
والإسناد مذكور في التهذيب والاستبصار. أمّا التهذيب فالإسناد فيه هكذا: الشيخ المفيد عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى. وأمّا الاستبصار فالإسناد فيه هكذا: الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى.
نعم قد ينقل اختلاف الأسانيد فمثلاً روى عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، ومحمّد بن مسلم، وأبي بصير، كلّهم قالوا: قلنا له: بئر يتوضّأ منها يجرى البول قريباً منها أينجّسها؟ قال: فقال: إن كانت البئر في أعلى الوادي الخ.
ثمّ قال الحرّ: ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله3
تهذيب الأحكام: 1/410، ح12، باب المياه وأحكامها.
. وعن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن عليّ بن إبراهيم مثله4
الاستبصار: 1/46، ح3، باب مقدار ما يكون بين البئر والبالوعة.
.
فالإسناد الأوّل في التهذيب والثاني في الاستبصار.

ج. تکميل الأسانيد واختصارها
الشيخ الحرّ العامليّ أكمل بعض الأسانيد التي أشارت إليها الشيخ إشارة عابرة فقطّ.
مثلاً جاء في التهذيب: وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن عبد الله بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الماء الذي لا ينجّسه شي‏ء، الخ5
تهذيب الأحكام: 1/42، ح54.
.
فالحرّ نقل هذا الخبر عن الکليني، ثمّ قال: رواه الشيخ عن محمد بن محمد بن النعمان عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن عبد الله بن سنان، عن إسماعيل بن جابر6
وسائل الشيعة، أبواب الماء المطلق، ب9، ح8.
.
وفي قباله أنّه أوجز بعض الأسانيد الأخرى وأبدل صيغ تحمّل الحديث بالعنعنة. كما أنّه اختصر عناوين الرواة وحذف بعض أوصافهم غير المرتبطة بالتضعيف أو التوثيق المرتبطة بكيفيّة التحديث أو مكانه.
وعلى سبيل المثال جاء في العيون: حدّثنا عليّ بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة قال: حدّثنا إسماعيل بن عليّ بن رزين أخي دعبل بن عليّ الخزاعي قال: حدّثنا دعبل بن عليّ7
عيون أخبار الرضاعلیه السلام: 2/230، ح2.
.
وقال الحرّ: رواه الصدوق في عيون الأخبار عن عليّ بن عيسى المجاور، عن إسماعيل بن رزين، عن دعبل بن عليّ8
وسائل الشيعة، أبواب فعل المعروف، ب17، ح6
.
ومن منهجه في اختصار الأسانيد أنّه روى خبراً بإسناده كاملاً ثمّ في ذيله نقل ما يشبهه من الأخبار سنداً ومتناً وينقل الفقرة المتغايرة مع الإسناد الفوقاني ثمّ أحال عليه بقوله: «مثله» أو «نحوه»9
الفرق بين قوله مثله ونحوه في التطابق بين الألفاظ. وقد أوضحنا الحال حولهما في خاتمة النقطة الأولی، النكتة الأولی.
.
فعلى سبيل المثال جاء في الوسائل هكذا: و[البرقي] عن عليّ بن محمّد القاساني، عمّن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله، عن آبائه قال: قال رسول الله : من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له ومن أوعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار10
وسائل الشيعة، أبواب مقدّمة العبادات، ب18، ح5.
.
ثمّ قال الحرّ: ورواه الصدوق في التوحيد عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين وأحمد بن أبي عبد الله، عن عليّ بن محمّد مثله.
والمراد من قوله «مثله» أنّ الصدوق رواه عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين وأحمد بن أبي عبد الله، عن عليّ بن محمّد القاساني، عمّن ذكره، عن عبد الله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبد الله، عن آبائه ، عن رسول الله .
ونحوه كثير في الوسائل.
ومن منهجه في الاختصار استعمال أسلوب الإشارة والإضمار في ابتداء الأسانيد. فلاحظ هذا الأنموذج:
جاء في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلا أحسن الله الخلافة، إلخ11
الكافي: ‏4/10، ح5.
.
وفي الوسائل: وعن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله : الصدقة تدفع ميتة السوء.
ثمّ قال: ورواه الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه عن عليّ بن إبراهيم مثله.
ثم أورد رواية أخرى وقال: وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلا أحسن الله الخلافة، إلخ.
وهذا الإسناد إشارة إلى ما في الرواية الأولى؛ أي عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام).
هذا نموذج من استعمال أسلوب الإشارة. وأمّا نموذج استعمال أسلوب الإضمار:
و[أي محمّد بن يعقوب] عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار جميعاً، عن صفوان، عن عمرو بن حريث أنّه قال لأبي عبد الله (علیه السلام): ألا أقصّ عليك ديني، إلخ.
ثمّ في رواية بعده: وعنه عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء.
ومن الجدير بالإشارة أنّ الكليني نفسه لم يستعمل هذا الإسلوب.
ففي الكافي:
عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبان، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: ما أظنّ رجلاً، إلخ.
ثمّ فيه: عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله ما أحبّ من دنياكم، إلخ12
الكافي: 5/321، ح5ـ6.
.
ولكن في الوسائل جاء أوّلاً هكذا: عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: من أخلاق الأنبياء حبّ النساء.
ثمّ فيه: وعنه عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن أبان، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال ما أظن رجلاً، إلخ.
وعنه عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله ، الخ13
وسائل الشيعة، أبواب مقدّمات النكاح، ب3، ح4.
.
ومن أسلوبه في الاختصار أنّه في بعض المواضع لم يذكر طريق الصدوق إلى صاحب کتاب أو خبر، وأورد هذا الطريق في الخاتمة. فمنها طريق الصدوق في علل الشرائع إلى محمّد بن سنان وهكذا طريقه إلى الفضل بن شاذان في العلل.

د. ذكر تعدّد الأسانيد في رواية واحدة
من الفوارق الأساسية بين وسائل الشيعة والكتب الأربعة هو ذكر تعدّد الأسانيد في الوسائل بخلاف الكتب الأربعة.
فجاء في الكافي هكذا: محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: ألا أخبرك بالإسلام، إلخ.
والحرّ نقل هذا الخبر ثمّ قال:
ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن علي بن النعمان.
ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن رباط، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، عن رسول الله نحوه.
ورواه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن علي بن النعمان مثله.
وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ثعلبة، عن عليّ بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (علیه السلام) نحوه.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.
ورواه الصدوق بإسناده عن عليّ بن عبد العزيز.
ورواه البرقي في المحاسن عن الحسن بن علي بن فضّال مثله14
وسائل الشيعة،أبواب مقدّمة العبادات، ب1، ح3
.
ولم تجد هذا في غيره حتّى في الجوامع المتأخّرة ك‍الوافي والبحار.
هذا، ولكن في بعض المواضع لم يخرّج الحرّ الأسانيد المتعدّدة في ذيل الخبر.
وهذا في بعض الموارد لأجل عدم معرفة الحرّ بالأسانيد أو غفلة منه.
وعلى سبيل المثال ما نقله عن الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء، إلخ.
ورواه العيّاشي مرسلاً عن زرارة15
تفسير العياشي: 1/191، ح101.
. والحرّ لم يشر إليه.
ومنها ما رواه عن الكلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار جميعاً، عن صفوان، عن عمرو بن حريث أنّه قال لأبي عبد الله (علیه السلام): ألا أقصّ عليك ديني، إلخ.
ورواه الكشي عن جعفر بن أحمد بن أيّوب، عن صفوان‏16
رجال الكشي: 418.
. ولم يخرّجه الحرّ مع أنّ رجال الكشي من مصادره.
هذا، ولكن في بعض آخر لم يعلم وجهه حيث يروي خبراً في باب بإسناد ويرويه مرّة أخرى في باب آخر بإسناد آخر ولم ينبّه على ذلك.
ومن أنموذجه ما رواه عن محمّد بن عليّ الفارسي الفتال في روضة الواعظين قال: قال رسول الله : خمس خصال تورث البرص، إلخ.
وهو رواه عن الصدوق في الخصال في أبواب صلاة الجمعة، ب38، ح6.
ومنها ما نقله عن الصدوق في عيون الأخبار عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى، وأحمد بن إدريس، جميعاً عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن الجعفري، عن أبي الحسن (علیه السلام) قال: قلّموا أظفاركم يوم الثلاثاء، إلخ.
ثمّ قال: ورواه في الفقيه مرسلاً17
وسائل الشيعة، أبواب آداب الحمّام، ب40، ح2.
.
وهو رواه عن الخصال أيضاً في أبواب صلاة الجمعة، ب37، ح7.

  • الكافي: 3/151ـ150، ح3، باب حدّ الماء الذي يغسل به الميّت والكافور.
  • وسائل الشيعة، أبواب الوضوء، ب56، ح1.
  • تهذيب الأحكام: 1/410، ح12، باب المياه وأحكامها.
  • الاستبصار: 1/46، ح3، باب مقدار ما يكون بين البئر والبالوعة.
  • تهذيب الأحكام: 1/42، ح54.
  • وسائل الشيعة، أبواب الماء المطلق، ب9، ح8.
  • عيون أخبار الرضاعلیه السلام: 2/230، ح2.
  • وسائل الشيعة، أبواب فعل المعروف، ب17، ح6
  • الفرق بين قوله مثله ونحوه في التطابق بين الألفاظ. وقد أوضحنا الحال حولهما في خاتمة النقطة الأولی، النكتة الأولی.
  • وسائل الشيعة، أبواب مقدّمة العبادات، ب18، ح5.
  • الكافي: ‏4/10، ح5.
  • الكافي: 5/321، ح5ـ6.
  • وسائل الشيعة، أبواب مقدّمات النكاح، ب3، ح4.
  • وسائل الشيعة،أبواب مقدّمة العبادات، ب1، ح3
  • تفسير العياشي: 1/191، ح101.
  • رجال الكشي: 418.
  • وسائل الشيعة، أبواب آداب الحمّام، ب40، ح2.
دوشنبه ۹ تير ۱۳۹۹ ساعت ۸:۳۶