إنّک تجدفي مصادر المتصوّفة أموراً لا تتوافق الواقع التاريخي، بل التاريخ يشهد بافتعالها وکذبها.
وهذا مثل ما ورد في مصادر المتصوّفة في ترجمة الحسن البصري من أنّه أدرک النبي (صلی الله عليه وآله) وأرضعته أم سلمة1 تذکرة الأولياء: 1/29..
کما ورد في هذه المصادر أنّه أدرک أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وذکروا ما جری بين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وبينه2 تذکرة الأولياء: 1/33..
وکلّ هذه موضوعة وصل أسانيدها إلی مصادر المتصوّفة، بل مصادر المتصوّفة ـ سيّما کتب تراجمهم ـ مليئة من هذه الآثار والأخبار الموضوعة.
هذا مضافاً إلی الأحاديث الموضوعة التي کتب المتصوّفة مليئة منها، وقد بحثنا عنها بالتفصيل في مقالة «مقاله ولنگاری متصوفّه در نقل حديث (تسامح المتصوّفة في نقل الحديث)».
والذي نحن بصدده في هذا المقام هو البحث عن قسم آخر من الموضوعات التي نجدها في مصادر المتصوّفة ـ سيّما کتب تراجمهم ـ، وهو الأنساب المفتعلة لشيوخ أهل التصوّف.
وقبل ذلک لابدّ من معرفة أنّ أولاد النبيّ (صلی الله عليه وآله) ـ مضافاً إلی ما خصّوا به من الخمس، ومضافاً إلی ما ورد عن النبيّ (صلی الله عليه وآله) في فضلهم، مثل: «كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»3 السنن الكبرى: 7/64؛ مجمع الزوائد: 4/272؛ المصنّف لعبد الرزّاق الصنعاني: 6/164؛ الذرية الطاهرة النبوية: 159؛ المعجم الكبير: 11/194. ـ لهم شأن اجتماعي عال اعترف به الکبير والصغير، والعالم والعامّي، والشيعي والسنّي. ولهذا صاروا موضع توجّه وإقبال من الناس بل من الحکّام. قال ابن عنبة في نسب الحسين بن عليّ بن الحسين بن الحسن البصري: فمن ولده أبو الحسين عليّ بن الحسين الأطروش الرئيس بهمدان من أهل العلم والفضل والأدب. صاهر الصاحب الجليل كافي الكفاة أبا القاسم إسماعيل بن عباد على ابنته، وكان الصاحب يفتخر بهذه الوصلة ويباهي بها، ولمّا ولدت ابنته من أبي الحسين ابنه عباداً ووصلت البشارة إلى الصاحب قال:
أحمد الله لبشری * جاءنا عند العشي
إلی آخر ما قال4 عمدة الطالب: 80. وانظر أيضاً مناهل الضرب: 120؛ الوافي بالوفيات: 9/84.
وهذا يوجب وسوسة بعض الناس کي ادّعوا نسباً لا يصحّ أصلاً.
وبالسبر في مصادر الأنساب تجد أمثلة کثيرة لهولاء المدّعين. وعلی سبيل المثال انظر بعض هذه الکلمات:
1. بنو الأثرم لا يصحّ لهم نسب وهم المنتسبون إلی الحسين بن الحسن بن علي5 سر السلسلة: 26..
2. الطاهر بن محمّد (أي محمّد النفس الزکية) لا عقب له. وبالموصل قوم ينسبون إليه أدعياء6 سر السلسلة: 29..
3. وبشيراز قوم ينتسبون إليه (أي عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن جعفر بن الحسن المثنّی) ولا نسب لهم7 سر السلسلة: 47..
4. کلّ من انتهی إلی محمّد بن إسماعيل من غير ولد محمّد بن زيد الداعي فهو مدّع مفتر وما رأيت من يدعيه إلا قوماً بالکوفة8 سر السلسلة: 58..
5. لم يبق له (أي عبد الله الأفطح) اليوم ولد وانقطع نسله فمن انتسب إليه اليوم فهو کاذب مفتر9 سر السلسلة: 67. .
6. وقوم ينتسبون إلی الحسن بن علي بن جعفر بالکوفة وخراسان لا يصح لهم نسب10 سر السلسلة: 85..
7. وبالمصر قوم من المنتسبين إلی عبد الله بن أحمد بن محمّد بن إسماعيل لا يصحّ لهم نسب عندي11 سر السلسلة: 88..
8. وکلّ عقيقي ليس من ولد إسماعيل بن جعفر بن عبد الله فليس بثابت النسب12 سر السلسلة: 115..
9. أولاد سليمان بن الحسين بن عليّ بن الحسين لا يثبت نسبهم عند أکثر من لقيت من العلماء النسابة؛ والله أعلم13 سر السلسلة: 118..
10. المنتسبون إلی إبراهيم بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن عليّ بن أبي طالب بشيراز والأهواز لا يصحّ لهم نسب14 سر السلسلة: 129..
أقول: هذه جملة يسيرة من الأنساب المفتعلة في احدی مصادر الأنساب الوجيزة المتقدّمة، والباحث في المطوّلات المتأخرة يجد أکثر من ذلک بأضعاف مضاعفة لا يهمّنا التعرّض إليه.
فمن جميع ذلک عرفت أيّها القاري الکريم أنّ النسب المفتعل ليس بعزيز ونادر.
فعلی هذا وجدان الأنساب المفتعلة في مصادر المتصوّفة ليس بغريب.
فهنا نشير إلی بعض هذه الأنساب المفتعلة التي ادّعيت لشيوخ المتصوّفة، ولکن قبل البحث حولها لابدّ من تذکار نکتة، وهي أنّا لم نقول بأنّ افتعال هذه الأنساب أمر فعله شيوخ المتصوّفة أنفسهم، بل من المحتمل قوياً أنّ ذلک أمر حدث بعدهم ومن ناحية المنتسبين إلی هذه الشيوخ من محبّيهم وأبناءهم، کما قال ابن عنبة في عبد القادر الجيلاني: ولم يدّع الشيخ عبد القادر هذا النسب ولا أحد من أولاده، وإنّما ابتدأ بها ولد ولده القاضي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد القادر، ولم يقم عليها بيّنة ولا عرفها له أحد15 عمدة الطالب: 130..
وکذا قال في الرفاعي: حكى لي الشيخ النقيب تاج الدين أنّ سيّدي أحمد بن الرفاعي لم يدّع هذا النسب وإنّما ادّعاه أولاد أولاد أولاده؛ والله أعلم16 عمدة الطالب: 214..
وکيفما کان، فإليک بعض الأنساب المفتعلة لشيوخ المتصوّفة:

1. نسب الشاه نعمة الله ولي الکرماني
قال الشيرازي في بيان نسبه: نعمة الله بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن کمال الدين بن يحيی بن هاشم بن موسی بن جعفر بن صالح بن محمّد بن جعفر بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام)17 طرائق الحقائق: 3/1..
والشاه نعمة الله نفسه أشار إلی هذا في ديوان شعره:
نعمت اللهم و ز آل رسول * محرم عارفان ربانی.
ولکن في هذا النسب مناقشة، فإن صدر هذا السند وإن کان موجوداً في کتب الأنساب18 انظر عمدة الطالب: 288ـ289، وفيه: أمّا جعفر الشاعر بن محمّد بن إسماعيل فمن ولده بنو البغيض وهو جعفر بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام)، وابنه محمّد الملقّب بنعيش ، ولکن قال أبو نصر البخاري: أولاد جعفر بن محمّد بن إسماعيل أنا متوقّف في عقبه اليوم19 سر السلسلة: 36. وانظر أيضاً عمدة الطالب: 289.
أضف إلی ذلک أنّ ابن عنبة ـ وهو إمام النسابين في عصره ـ کرماني ويطلق عليه الكرماني20 لباب الأنساب: 97؛ مدينة النجف: 170.، ولکن لم يذکر ـ ولو علی سبيل الترديد والشکيک بل ولو علی سبيل النفي ـ نسب الشاه نعمة الله إشارة عابرة لا في عمدة الطالب الوسطی ولا الکبری ولا الصغری ولا في أيّ کتاب آخر.

2. نسب السيد أحمد الرفاعي
قال الشيرازي في بيان نسبه: أبو العبّاس أحمد بن أبي الحسن عليّ بن يحيی بن ثابت بن حازم بن أحمد بن السيّد عليّ بن أبي المکارم الحسن المعروف برفاعة المکي بن السيّد مهدي بن أبي القاسم محمّد بن الحسن بن الحسين بن موسی الثاني بن إبراهيم المرتضی بن الإمام موسی الکاظم (عليه السلام)21 طرائق الحقائق: 2/349..
وفي هذا النسب أيضاً تأمّل، فإنّ إبراهيم المرتضی له ولد باسم موسی22 عمدة الطالب: 245؛ تهذيب الأنساب: 150؛ سر السلسلة: 43.
کما أنّ لموسی ولداً مسمّی بالحسين23 عمدة الطالب: 246 ، ولکن ليس للحسين ولد باسم الحسن، بل أولد أبو أحمد الحسين بن موسی الأبرش ابنين: علياً ومحمّداً24 عمدة الطالب: 249.
أضف إلی ذلک أن ابن عنبة قال: وقد نسب بعضهم الشيخ الجليل سيّدي أحمد بن الرفاعي إلى حسين بن أحمد الأكبر فقال: هو أحمد بن عليّ بن يحيى بن ثابت بن حازم بن عليّ بن الحسن بن المهدي بن أبي القاسم محمّد بن الحسين المذكور، ولم يذكر أحد من علماء النسب للحسين ولداً اسمه محمّد.
وحكى لي الشيخ النقيب تاج الدين أنّ سيّدي أحمد بن الرفاعي لم يدّع هذا النسب وإنّما ادّعاه أولاد أولاد أولاده؛ والله أعلم25 عمدة الطالب: 214..

3. نسب الحاجي بکتاش ولي
هو الحاجي بکتاش ولي بن السيّد محمّد المعروف بإبراهيم الثاني بن موسی الثاني بن إبراهيم المجيب بن موسی الکاظم (عليه السلام). وإبراهيم المجيب هو أخو عليّ بن موسی الرضا (عليه السلام)26 ولايت نامه (حاجي بکتاش ولي ومتون بکتاشية): 149..
وفي هذا النسب جهات للإشکال:
أ. أمّا أوّلاً فلعدم وجود إبراهيم المجيب في مصادر الأنساب، وإنّما الموجود فيها: إبراهيم المجاب27 عمدة الطالب: 263..
ب. وثانياً أنّ الذي هو من أولاد الإمام الکاظم (عليه السلام) هو إبراهيم المرتضی دون إبراهيم المجيب أو المجاب28 انظر عمدة الطالب: 240..
وأمّا إبراهيم المجاب فهو ابن محمد العابد بن موسی الکاظم (عليه السلام)29 انظر عمدة الطالب: 263..
ج. وثالثاً أنّه ليس لإبراهيم المجاب ولد مسمی بموسی، بل العقب منه في ثلاثة رجال: محمد الحائري، وأحمد، وعليّ30 انظر عمدة الطالب: 263..
د. ورابعاً أنّ في هذا النسب غرابة، وهي «محمّد المعروف بإبراهيم»، ولعلّ الصواب أنّ محمد هو ولد إبراهيم، کما يشهد به مصادر الأنساب31 انظر عمدة الطالب: 261.
وإن قلنا بأنّ المراد من إبراهيم المجيب هو إبراهيم المرتضی، فهو وإن کان له ابن مسمّی بموسی32 انظر عمدة الطالب: 245؛ سر السلسلة: 43. ، وکذا لموسی ابن مسمّی بإبراهيم33 انظر عمدة الطالب: 246 ، وکذا لإبراهيم ابن مسمّی بمحمّد34 انظر عمدة الطالب: 261 ، ولکن ليس لمحمّد بن إبراهيم بن موسی ابن مسمّی بحاجي بکتاش ولي.
أضف إلی ذلک أن الطبقة لا تساعد هذا النسب، فإنه بناء علی ما ذکر في نسب حاجي بکتاش ولي هو ولد الذمام الکاظم (عليه السلام) بثلاث أو أربع وسائط، ولکن هذا بعيد في الغاية، فإنّ الحاجي بکتاش ولي من أبناء القرن السابع (هو توفّي سنة 669 هـ)، فکيف يمکن أن يکون بين الإمام الاظم (عليه السلام) المسشتهد سنة 183 هـ وبينه ثلاث أو أربع وسائط؟!
وهذا أمر لا يمکن المساعدة عليه، بل هو مخالف لما هو المقرّر في علم الأنساب من أنّ کلّ قرن ثلاث وسائط، فبناء عليه لابدّ وأن يکون بين الإمام الکاظم (عليه السلام) وبين الحاجي بکتاش ولي قريباً من 15 واسطة.

4. نسب عبد القادر الجيلاني
قال ابن عبنة في بيان نسب عبد القادر الجيلاني: وقد نسبوا إلى عبد الله بن محمّد بن يحيى بن محمّد بن الرومية المذكور الشيخ الجليل الباز الأشهب صاحب الخطوات محيي الدين عبد القادر الكيلاني، فقالوا: هو عبد القادر بن محمّد بن جنكي دوست بن عبد الله المذكور.
ولم يدّع الشيخ عبد القادر هذا النسب ولا أحد من أولاده، وإنّما ابتدأ بها ولد ولده القاضي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد القادر، ولم يقم عليها بيّنة ولا عرفها له أحد، على أنّ عبد الله بن محمّد بن يحيى رجل حجازي ولم يخرج عن الحجاز وهذا الاسم ـ أعني جنكي دوست ـ أعجمي صريح كما تراه. ومع ذلك كلّه فلا طريق إلى إثبات هذا النسب إلا بالبيّنة الصريحة العادلة، وقد أعجزت القاضي أبا صالح واقترن بها عدم موافقة جدّه الشيخ عبد القادر وأولاده له؛ والله سبحانه أعلم35 عمدة الطالب: 130. وانظر أيضاً مناهل الضرب: 251..
وهنا بعض أنساب أخری ادّعاها مشايخ المتصوّفة سنبحث عنها في مقالة أخری؛ إن شاء الله36 هذه المقالة هي من ضمائم کتابي «الأخبار الموضوعة، دراسة في الکلّيات والقواعد والأنموذج». أسأل الله عزّ وجل أن يوفّقني لإتمامه؛ إنّه ولي التوفيق..

۱. تذکرة الأولياء: ۱/۲۹.
۲. تذکرة الأولياء: ۱/۳۳.
۳. السنن الكبرى: ۷/۶۴؛ مجمع الزوائد: ۴/۲۷۲؛ المصنّف لعبد الرزّاق الصنعاني: ۶/۱۶۴؛ الذرية الطاهرة النبوية: ۱۵۹؛ المعجم الكبير: ۱۱/۱۹۴.
۴. عمدة الطالب: ۸۰. وانظر أيضاً مناهل الضرب: ۱۲۰؛ الوافي بالوفيات: ۹/۸۴
۵. سر السلسلة: ۲۶.
۶. سر السلسلة: ۲۹.
۷. سر السلسلة: ۴۷.
۸. سر السلسلة: ۵۸.
۹. سر السلسلة: ۶۷.
۱۰. سر السلسلة: ۸۵.
۱۱. سر السلسلة: ۸۸.
۱۲. سر السلسلة: ۱۱۵.
۱۳. سر السلسلة: ۱۱۸.
۱۴. سر السلسلة: ۱۲۹.
۱۵. عمدة الطالب: ۱۳۰.
۱۶. عمدة الطالب: ۲۱۴.
۱۷. طرائق الحقائق: ۳/۱.
۱۸. انظر عمدة الطالب: ۲۸۸ـ۲۸۹، وفيه: أمّا جعفر الشاعر بن محمّد بن إسماعيل فمن ولده بنو البغيض وهو جعفر بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام)، وابنه محمّد الملقّب بنعيش
۱۹. سر السلسلة: ۳۶. وانظر أيضاً عمدة الطالب: ۲۸۹
۲۰. لباب الأنساب: ۹۷؛ مدينة النجف: ۱۷۰.
۲۱. طرائق الحقائق: ۲/۳۴۹.
۲۲. عمدة الطالب: ۲۴۵؛ تهذيب الأنساب: ۱۵۰؛ سر السلسلة: ۴۳
۲۳. عمدة الطالب: ۲۴۶
۲۴. عمدة الطالب: ۲۴۹
۲۵. عمدة الطالب: ۲۱۴.
۲۶. ولايت نامه (حاجي بکتاش ولي ومتون بکتاشية): ۱۴۹.
۲۷. عمدة الطالب: ۲۶۳.
۲۸. انظر عمدة الطالب: ۲۴۰.
۲۹. انظر عمدة الطالب: ۲۶۳.
۳۰. انظر عمدة الطالب: ۲۶۳.
۳۱. انظر عمدة الطالب: ۲۶۱
۳۲. انظر عمدة الطالب: ۲۴۵؛ سر السلسلة: ۴۳.
۳۳. انظر عمدة الطالب: ۲۴۶
۳۴. انظر عمدة الطالب: ۲۶۱
۳۵. عمدة الطالب: ۱۳۰. وانظر أيضاً مناهل الضرب: ۲۵۱.
۳۶. هذه المقالة هي من ضمائم کتابي «الأخبار الموضوعة، دراسة في الکلّيات والقواعد والأنموذج». أسأل الله عزّ وجل أن يوفّقني لإتمامه؛ إنّه ولي التوفيق.
دوشنبه ۲۹ دي ۱۳۹۹ ساعت ۱۰:۱۹